سورة غافر - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


قوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَروا ينادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ} قال المفسِّرون: لمّا رأوْا أعمالَهم وأُدخِلوا النّارِ مَقَتُوا أنفُسَهم لِسُوءِ فِعْلِهم، فناداهم مُنادٍ: لَمَقْتُ الله إيّاكم في الدُّنيا {إِذ تُدْعَوْنَ إِلى الإِيمان فتكفُرونَ} أكبرُ مِنْ مقتكم أنفُسكم.
ثم أخبر عما يقولون في النار بقوله: {ربَّنا أَمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأَحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ} وهذا مثل قوله: {وكنتم أمواتاً فأحياكم ثُمَّ يميتُكم ثُمَّ يُحْييكم} [البقرة: 28] وقد فسَّرناه هنالك.
قوله تعالى: {فهل إِلى خُروج} أي: من النار إِلى الدنيا لنعملَ بالطاعة {مِنْ سَبيلٍ}؟ وفي الكلام اختصار، تقديره: فَأُجيبوا أن لا سبيل إِلى ذلك؛ وقيل لهم {ذلكم} يعني العذاب الذي نزل بهم {بأنَّه إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَه كَفَرتم} أي: إِذا قيل لا إله إلا الله أنكرَتم، وإن جُعل له شريكٌ آمنتم، {فالحُكم لله} فهو الذي حكم على المشركين بالنار. وقد بيَّنَّا في سورة [البقرة: 255] معنى العليّ وفي [الرعد: 9] معنى الكبير.


{هُوَ الذي يُريكم آياتِه} أي: مصنوعاته التي تَدُلُّ على وَحدانيَّته وقُدرته. والرِّزق هاهنا المطر، سمِّي رزقاً، لأنه سبب الأرزاق. و{يتذكَّر} بمعنى يَتَّعظ، و{يُنيب} بمعنى يَرْجِع إِلى الطاعة.
ثم أمر المؤمنين بتوحيده فقال: {فادْعُوا اللهَ مُْلِصينَ له الدِّينَ} أي: موحِّدين.
قوله تعالى: {رفيعُ الدَّرَجاتِ} قال ابن عباس: يعني رافع السموات. وحكى الماوردي عن بعض المفسِّرين قال: معناه عظيم الصِّفات.
قوله تعالى: {ذو العَرْشَ} أي: خالِقُه ومالِكُه.
قوله تعالى: {يُلْقي الرُّوحَ} فيه خمسة أقوال.
أحدها: أنه القرآن.
والثاني: النُّبوّة. والقولان: مرويّان عن ابن عباس وبالأول قال ابن زيد، وبالثاني قال السدي.
والثالث: الوحي، قاله قتادة. وإِنما ُسمِّي القرآن والوحي روحاً، لأن قِوام الدِّين به، كما أن قِوام البدن بالرُّوح.
والرابع: جبريل، قاله الضحاك.
والخامس: الرَّحمة، حكاه إبراهيم الحربي.
قوله تعالى: {مِنْ أمْرِِهِ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: مِنْ قضائه، قاله ابن عباس.
والثاني: بأمره، قاله مقاتل.
والثالث: من قوله، ذكره الثعلبي.
قوله تعالى: {على مَن يشاءُ مِنْ عِبادِه} يعني الأنبياء.
{لِيُنْذِرَ} في المشار إِليه قولان:
أحدهما: أنه الله عز وجل.
والثاني: النَّبيُّ الذي يوحى إليه:
والمراد ب {يومَ التَّلاق}: يوم القيامة. وأثبت ياء {التلاقي} في الحالين ابن كثير ويعقوب، وأبو جعفر. وافقهما في الوصل؛ والباقون بغير ياءٍ في الحالَيْن، وفي سبب تسميته بذلك خمسة أقوال:
أحدها: أنه يلتقي فيه أهل السماء والأرض، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس.
والثاني: يلتقي فيه الأوَّلون والآخِرون روي عن ابن عباس أيضاً.
والثالث: يلتقي فيه الخلق والخالق، قاله قتادة ومقاتل.
والرابع: يلتقي المظلوم والظالم، قاله ميمون بن مهران.
والخامس: يلتقي المرءُ بعمله، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: {يَوْمَ هُم بارِزونَ} أي ظاهِرون من قُبورهم {لا يَخْفَى على الله منهم شيء}.
فإن قيل: فهل يَخْفَى عليه منهم اليوم شيء؟
فالجواب: أنْ لا، غير أن معنى الكلام التهديد بالجزاء؛ وللمفسِّرين فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يَخْفَى عليه ممّا عَمِلوا شيءٌ، قاله ابن عباس.
والثاني: لا يَستترونَ منه بجبل ولا مَدَر، قاله قتادة.
والثالث: أن المعنى: أَبْرَزهم جميعاً، لأنه لا يَخْفَى عليه منهم شيء، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {لَمِن المُلْكُ الْيَوْمَ} اتفقوا على أن هذا يقوله الله عز وجل بعد فَناء الخلائق. واختلفوا في وقت قوله له على قولين:
أحدهما: أنه يقوله عند فَناء الخلائق إِذا لم يبق مجيب، فيَرُدّ هو على نفسه فيقول: {للهِ الواحدِ القَهّارِ}، قاله الأكثرون.
والثاني: أنه يقوله يوم القيامة.
وفيمن يُجيبه حينئذ قولان:
أحدهما: أنه يُجيب نَفْسَه، وقد سَكَتَ الخلائقُ لقوله، قاله عطاء.
والثاني: أن الخلائق كلَّهم يُجيبونه فيقولون {للهِ الواحدِ القهارِ} قاله ابن جريج.


قوله تعالى: {وأَنْذِرهم يومَ الآزفة} فيه قولان:
أحدهما: أنه يومُ القيامة، قاله الجمهور. قال ابن قتيبة: وسميت القيامة بذلك لقُربها. يقال: أَزِفَ شُخوص فلان، أي: قَرُبَ.
والثاني: أنه يومُ حُضور المنيَّة، قاله قطرب.
قوله تعالى: {إِذِ القُلوبُ لدى الحناجر} وذلك أنها ترتقي إِلى الحناجر فلا تخرُج ولا تعود، هذا على القول الأول. وعلى الثاني: القلوب هي النُّفوس تبلغ الحناجرَ عند حضور المنيَّة؛ قال الزجاج: و{كاظمينَ} منصوب على الحال، والحال محمولة على المعنى؛ لأن القلوب لا يقال لها: كاظمين، وإِنما الكاظمون أصحاب القلوب؛ فالمعنى: إِذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كَظْمهم. قال المفسِّرون: {كاظِمِين} أي: مغمومين ممتلئين خوفاً وحزناً، والكاظم: المُمْسِك للشيء على ما فيه؛ وقد أشرنا إِلى هذا عند قوله: {والكاظمين الغيظ} [آل عمران: 134].
{ما لِلظّالِمِينَ} يعني الكافرين {مِنْ حَميمٍ} أي: قريب ينفعُهم {ولا شفيعٍ يُطَاعُ} فيهم فتُقْبَل شفاعتُه.
{يَعْلَمُ خائنةَ الأعيُن} قال ابن قتيبة: الخائنة والخيانة واحد. وللمفسرين فيها أربعة أقوال:
أحدها: أنه الرجُل يكون في القوم فتمرُّ به المرأة فيُريهم أنه يغُضُّ بصره، فإذا رأى منهم غفلةً لَحَظَ إِليها، فإن خاف أن يَفْطنُوا له غَضَّ بصره، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه نظر العين إِلى ما نُهي عنه، قاله مجاهد.
والثالث: الغمز بالعين، قاله الضحاك والسدي. قال قتادة: هو الغمز بالعين فيما لا يُحِبُّه الله ولا يرضاه.
والرابع: النظرة بعد النظرة قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {وما تُخْفي الصُّدورُ} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ما تُضْمِره من الفعل أن لو قَدَرْتَ على ما نَظَرْتَ إِليه، قاله ابن عباس.
والثاني: الوسوسة، قاله السدي.
والثالث: ما يُسِرُّه القلب من أمانة أو خيانة حكاه المارودي.

1 | 2 | 3 | 4 | 5